The Buzz Magazine
The Buzz Magazine

وائل الإبراشي الوجه الحزين الذي رش في دربنا البسمات

رضا طاهر الفقي يكتب :

رحل عن عالمنا وجه فيه عينان تحملان في داخلهما ذكريات وخبايا وآلام وآمال ..انتصارات وانكسارات .. ضحكة هادئه وابتسامة محسوبة .. وجه أشبه بتاريخ مصر في تلك الحقبة التي صاحبت ميلاده ـ إنه الكاتب الصحفي والإعلامي القدير وائل الإبراشي .


ففي عامه الأول كانت بداية المواثيق العامة للدولة الوليدة والجديدة والتي رسمت معالم النظام الجديد ـ نظام دولة ناصرـ وبعد اربع سنوات من عمره كانت النكسة وهزيمة المشروع الذي حلم به ناصر والذي استيقظ من جديد لحرب الاستنزاف .. وتمرالأيام والسنوات ويأت النصر وترتسم علامات البهجة علي وجهه مثل كل مصر في ذلك الحين .. إلا ان الأيام تقتنص منه تلك الفرحة مع وفاة الأب .. وبدأ يشعرأنه وحيداً في زحمة الحياة .. لايدري ماذا يفعل وتغيم عيناه بالدمع كلما تذكرأباه .


وأمام المنزل كانت هناك أرضاً فضاءاً كون فيها عالمه وحلمه وأمله وبدأت يده تتدرب علي الحبو والخطوعلي الحروف .. وقراءة الكلمات وتشعبت مواهبه واتسعت أبعاد العالم من حوله كلما أوغل في فهم رموز الشفرة التي أودعت في الأجيال المتعاقبة التي جاءت إلي الحياة .


قلت له ذات يوم ونحن جلوس في (شربين)بلد المنشأ والتكوين : آثناء تجوالي في بلدتنا احسست ان جدرانها وشوراعها مفعمة بالحياة وفيها حياه اكثر من اماكن وشوراع آخري .. فرد علي : (شربين) تلك الحائره مابين صخب التجار وحلم الفلاحين حيث انها تقع مابين الدقهليه و دمياط وهم عالمين متقابلين .. عالم العقل والتجارة وعالم العفوية الريفية والزراعة جعلت لها ماتري من زحمة الحياه وتعدد مشارب الأحياء.


عنده ارتباط بالماضي دائما ولاتظن ان شعور الانسان الداخلي بالارتباط بينه وبين الماضي من جهة وبينه وبين المستقبل من جهة أخري ليس عبثا وانما حكمه آلهيه جعلت لهذا الارتباط دورا في تكوين شخصية الانسان وارتباط هذه الشخصية بالمحيط واختزالها لكثير من المشاهد والخبرات ما يسمي بالذاكره الفوتوغرافيه القادره علي الالتقاط والاستيعاء التي جعلت الابراشي معد للفهم والالتقاط .. الأمر الذي صنع له تميز قال عنه الجواهرجي عادل حمود ه “انه محقق صحفي من طزاز فريد له عين حساسه وذهن متوقد وروح تواقه للابداع “.


ان الكتابه الصحفية والتقديم الإعلامي مهنة يستطيع كثيرمن الناس ان يدعيها .. ولكن الموهبه تصحح الوضع دائما .. فلايثبت علي الزمن إلاقليلون والإبراشي صاحب شخصية واسلوب ميزه عن غيره وصاحب مدرسة اعلامية وحاسة فريدة تميزبها عن الكثيرمن الصحفيين والاعلامين .. حاسة الوصول الي جميع الناس بمختلف ميولهم وطبقاتهم او ما يطلق عليه مجازا ادوات نهرو في التاثير علي الجماهير .. وخبراء الاعلام يقيسون نجاح التأثير علي المتلقي علي نظرية نهرو ذلك السياسي الفذ في الارسال فكانت موضوعاته الصحفية التي بدأها في زوراليوسف تلك المدرسة العريقة التي اخرجت العديد من عمالقة الفكر والأدب والصحافه هي ترجمان للشارع المصري بما يعج به من احداث وفاعليات وتقمصه الوجداني للمتلقي في إدارة برامجه التي بدأت بالحقيقة التي ناقشت كل القضايا التي لم تكن مألوفه من قبل وغاصت في هموم واوجاع المصريين .. واستمر خطه الاعلامي المميز في العاشره التي وجد المصريين فيها ضالتهم وسلوهم.


واصبح البرنامج مفردة من مفردات حياة المصريين حينما تدق الساعة العاشره مساءا تتطلع عيون المصريين إليها لتجد متنافسا لقضاياهم وتنفيسا لهموهم خلطة من دراما الشارع مآساته وملهاتة تجدها بين طيات البرنامج الذي كان صوتا حرا وكلمه شجاعة وسوطا علي ظهور الفاسدين والمفسدين .

ويسجل سطرا في سجل هذا الوطن كما يرش البسمات علي درب المصريين ودربنا .. كم جبر قلوبا وحقق احلاما كثيرة ومسح دموعا واضاء شموعا اجتمع عليها حلك الليل وهوج الريح .. اعتاد صاحبه ان يكون شعلة وهاجة حتي مع الريح العاتي الذي كان يكيد له عدوانا وحقدا.


رحلة الإبراشي تستطيع ان تطلق عليها “الألم مع الأمل والألم يعانق القلم ليحقق التميز والتفرد “وكأنه كان يتمثل قول نزار قباني الذي قال استاذي الألم فالألم هو الذي علمني .. وليس من إنسان عظيم دون ألم عظيم .. فلقد كان الألم هو الحافز دائما لديه ,حينما سأل عنه الشارع المصري في فترة غياب خرج الاعلامي سيد علي قائلا :وائل الإبراشي حالة خاصة من التميزيسبق الجميع والجميع من بعده متساوون سالني بعض الاعلاميين كيف يدير الإبراشي مشروعه الاعلامي قلت لهم باليقظه الدائمة .. والمذاكرة الدائمة ومذاكرة كل صغيرة وكبيرة وكل شاردة وكل طلة وكأنها الطلة الأولي ..حاله من التحفز والترقب والسير في الطرق الغير ممهدة التي لايمشي فيها كثيرين خوفا من مشاقاتها ولكنه يسير فيها وحيدا لكي يصل لغايته المنشودة .


حارب الإبراشي كورونا وحذر منها الجميع إلا انها التهمت رئتييه العامرتيين بهواء الابداع والتألق .. وظل يشاكس المرض ويشاكسه ,وانتصر في جولات كثيرة عليه وكان يحبوه الأمل في العودة إلي الشاشة وفي الأيام الأخيرة كان يتحدث معي في ذلك وكله آمال في العودة ,لكن القدر قال كلمته . ليسدل الستار علي تجربه انسانيه لن تعوض…

إشترك في نشرتنا الإخبارية
اشترك معنا للتوصل بآخر الأخبار، المقالات والتحديثات، ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني
يمكنك سحب اشتراكك متى شئت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.