لغة العيون ومهبّ الحنين
ام عبدالوهاب
لأنَّ العيونَ معابرُ ضوءٍ،
تلتقطُ الصدقَ من وجعِ الأشياء،
وتستشفُّ الأعماقَ بنظرةِ صمت،
تسرحُ في تأمّلها المستباح،
وتعيدُ صياغةَ ما كانَ لحنًا بديعًا،
وتمنحُ للدهشةِ شكلَ الخلود.
عيونٌ خُلقتْ لتُبدِع،
تُجمِّلُ ما تُبصرُه،
وما تمسُّهُ من خيال،
وأنتِ…
أنتِ تلكَ العيونُ التي حينَ تمرُّ،
يُزهرُ وجهُ الحكاية،
ويستيقظُ الحرفُ من سباته الطويل.
وحينَ يجيءُ المساء،
وينشرُ الليلُ أستارَهُ فوقَ وجهِ المدى،
يهدأُ كلُّ الذي في الوجوه،
إلا العيون،
تظلُّ تبوحُ بما تخبّئهُ الأرواح،
وتحكي عن الشوقِ دونَ لسان.
تلك العيونُ الساهرةُ للنجوم،
تُرسلُ أمانيها مكسورة،
وتذوبُ على وجعِ الأمنيات،
بين استرجاعٍ وحنينٍ لا يهدأ.
وحينَ يجيءُ حديثُها،
عطرًا يدوِّنُ أسماءَنا في الهواء،
تموسقُ الحروفَ كأنّها تُغنّي،
فتهتزُّ أوتارُ القلب،
ويبلغُ الصوتُ حدَّ الوله.
وما إن تبسمتْ،
وأضاءتْ لؤلؤةُ العينيْن،
انقشعتْ عنكَ عتمةُ الوقت،
وانفتحَ الأفقُ نهرًا من النور،
يغسلُ ما سالَ من وجعٍ،
ويُجلّي مرآةَ إحساسِكَ،
ويرفعُكَ نحوَ أجنحةِ المنى الفيّاضة.
هناك…
تشعرُ بأنّك مأسورٌ بتيّارِ عشقٍ،
كالكهرباءِ تمرُّ بعصبِ الوجود،
توقظُ الجبالَ من سباتها،
وتُذيبُ الصمت.
حينَ يجيءُ صوتُها،
يبعثرُ ما تبقّى منكَ،
فتغفو على ذبذبةِ الحنين،
وتستعيدُ المواسمَ القديمة،
حيثُ الكلمةُ تسقطُ همسًا:
“لغةُ الغنجِ العيونُ… ومهبُّ الحنين.”
تلفُّكَ تلكَ اللغةُ المترفة،
وترنّحُكَ موسيقى الحروف،
فتبعثُركَ حيثُ تشاءُ النظرات.
تتعلّقُ بكلِّ رمشٍ من رموشِها،
وبكلِّ نداءٍ مفعمٍ بالشجن،
حتى تتهاوى مشاعرُكَ،
ويتكسّرُ وجدانُكَ قطرةً قطرة،
وتصيرُ على مهبِّ رياحِ الحنين،
بينَ الحلمِ واليقظة.
يرتفعُ صوتُ الوجدِ،
ملتهبًا بنيرانِ الشوق،
يريدُ أن يُمسكَ اللحظة،
أن يأخذَها بينَ يديه
في عشقٍ جامحٍ… مريع.
لكنَّ الفجرَ يجيءُ بهدوء،
تتراجعُ ظلالُ الليل،
وتخمدُ النيران،
ويبقى الصدى في الأفق:
يا عيونَ سهرتِنا… وبالصدِّ عذّبتِنا.
ويطولُ الليل،
نقلبُ صفحاتِ الذكريات،
ونستجدي اللحظةَ أن تتلطّفَ بنا،
فالعينُ — وإن أغمضت —
تبقى تُبدعُ حتى في الحنين.










إرسال تعليق