ذاكرة لم ترو بعد فيلم وثائقي يوثق ذاكرة جيل عربي درس في روسيا والاتحاد السوفيتي السابق

  • بتاريخ : 17 ديسمبر، 2025 - 11:13 مساءً
  • الزيارات : 208
  • بقلم: د. نضال رباح

    يُعدّ قرار الدراسة خارج الوطن من أكثر القرارات المفصلية في حياة الإنسان، لا سيما حين تكون الوجهة بلدًا بعيدًا بثقافته ولغته ومناخه، كما هو الحال مع روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق. فهذا القرار لا يقتصر على التحصيل الأكاديمي، بل يفتح بابًا لتجربة إنسانية وفكرية عميقة، تعيد تشكيل وعي الطالب وهويته ومساره في الحياة.

    وعلى مدى عقود، شكّلت الجامعات الروسية والسوفيتية محطة علمية وإنسانية لآلاف الطلبة العرب القادمين من مختلف الأقطار العربية، حيث أسهمت هذه التجربة في تكوين جيل من الكفاءات العلمية والفكرية، التي تركت بصمتها في مجتمعاتها بعد العودة إلى الوطن، سواء في المجالات الطبية أو الهندسية أو الأكاديمية أو السياسية.

    وفي هذا السياق، يجري التحضير لإنتاج فيلم وثائقي ضخم، من كتابة وإخراج المخرج الفلسطيني يوسف علاري، يوثّق مسيرة حياة خريجي جامعات روسيا والاتحاد السوفيتي السابق، في مشروع يُعدّ الأول من نوعه عربيًا من حيث الشمول والرؤية. ويهدف الفيلم إلى تجاوز التوثيق الأكاديمي التقليدي، للاقتراب من عمق التجربة الإنسانية، بما حملته من غربة وتحديات وبناء للذات والتحوّل الفكري.

    ويتتبع الفيلم الرحلة الكاملة للطالب العربي، منذ لحظة اتخاذ قرار السفر، مرورًا بالوصول إلى مدن مثل موسكو وسانت بطرسبورغ وكييف ومينسك وتبليسي وفولغوغراد وغيرها، حيث واجه الطلبة اختلاف اللغة وقسوة المناخ وتباين الثقافة، وصولًا إلى لحظة العودة إلى الوطن، وما رافقها من صدام مع الواقع وإعادة اكتشاف الذات والمجتمع.

    كما أن هناك العديد من الخريجين الذين لم يستطيعوا العودة إلى بلادهم لأسباب قسرية مختلفة، وسجّلوا نجاحات منقطعة النظير في وطنهم الثاني روسيا، فمنهم رجال الأعمال والسياسيون والأكاديميون، فسيكون لهم دور كبير ومهم في هذا العمل، الذي سيوثّق مسيرتهم الحياتية وقصص نجاحهم.

    ويشارك في العمل خريجون من مختلف أنحاء الوطن العربي، ينتمون إلى تخصصات متعددة تشمل الطب والهندسة والعلوم الإنسانية والسياسية، ليقدّموا شهادات حيّة، تسلّط الضوء على الدور الذي لعبته الجامعات الروسية والسوفيتية سابقًا في صناعة نخب علمية وفكرية، كان لها تأثير واضح في محيطها العربي. وتُقدَّم هذه الشهادات في إطار سردية جماعية، تعكس مرحلة تاريخية مهمّة من العلاقات التعليمية والثقافية بين العالم العربي وروسيا.

    ويؤكد القائمون على المشروع أن الفيلم يمثّل وثيقة تاريخية وإنسانية، تهدف إلى حفظ الذاكرة التعليمية للأجيال القادمة، وتصحيح الصور النمطية المتبادلة، وإبراز البعد الثقافي والحضاري للتجربة الدراسية في روسيا ودول الاتحاد السوفيتي السابق، بعيدًا عن التبسيط أو التجميل، ومن خلال أصوات أصحاب التجربة أنفسهم.

    ويضم فريق العمل بالإضافة لعلاري كلًا من الدكتور ياسر اللحام، مستشار الأمين العام لجمعية شعوب العالم، والدكتور نضال رباح، الذي يتولى الإشراف على إدارة الإنتاج والعلاقات الدولية.

    ومن المقرر الإعلان قريبًا عن فتح باب المشاركة أمام الخريجين الراغبين في الظهور ضمن الفيلم، تمهيدًا لانطلاق مرحلة التصوير خلال الفترة المقبلة.

    ويخلص المشروع إلى التأكيد أن هذا الفيلم ليس مجرد عمل عن شهادات جامعية، بل هو توثيق لذاكرة جيل كامل، وتجربة إنسانية صنعتها المعرفة، وتركت أثرًا عميقًا في الأفراد والمجتمعات على حدّ سواء.