The Buzz Magazine
The Buzz Magazine

الفنانة حنان موسى .. عازفة الخطوط على إيقاعات الكتل

محمد كمال

يظل الخط دائماً هوصاحب الدورالأبرز فى عالم الفنون البصرية بشكل عام،وفى حيزالفنون التشكيلية بصورة خاصة .. وفى هذاالسياق يبقى أداة لينة فى يد الفنان مستخدماً إياه كعامل مساعد أحياناً فى تصاويرهأ ومنحوتاتهأ وجرافيكياته،وفى أحيان أخرى قد يعتمدعليه كلياً فى تشييد حالة فنية متكاملة بأكثرالأدوات زهداً مثل أقلام الرصاص أوالفحم أوالحبر

.. وأعتقد أن الفنانة د . حنان موسى من أهم الفنانين الذين ارتكنوا إلى مهارات الرسم منذ تخرجها من قسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1994م ، قبل حصولها على الماجستير عام 2003م والدكتوراه عام 2016م .

وفى هذا الإطار كان الخط لديها ولم يزل هو أحد ركائز استيعابها لمسطح الحفر ، حتى باتت عاشقة له ذاته من خلال تجربتها الأخيرة ” خطين وبس ” التى استخدمت فيها الرسم بقلم الحبر الأسود على ورق قطنى أحياناً وعلى القماش فى بعض الأحيان، معتمدة على تلك العلاقة بين الكتلة والفراغ الأبيض ، حيث مالت لتوظيف البراح الورقى والنسجى لاحتضان تلك الكتل الكروية السوداء الداكنة المصمتة عبر تهشيرات متجاورة جعلتها كحبات جوز الهند الخشنة ، قبل أن تمدها بفعل إنشطارى إرتكنت فيه إلى تباينات الثغرات على سطح كل كرة ، إضافة إلى حرصها على تمايزات حجوم الكرات بين كبيرة ومتناهية فى الصغر ، مروراً بتلك الاحجام الوسطية ، بما أمد مسطحاتها الورقية والنسجية بحس إيقاعى حركى رشيق ، سيما أن الفنانة دفعت بكراتها فى فضاء المشهد بعيداً عن نطاق الجاذبية الأرضية فى حالة من التفجر المتجسد عبر تلك الشذرات الخطية الساقطة من بؤر الكتل الكروية ، علاوة على ملمس الإيقاع الورقى القطنى الوبرى والنسجى الخام نفسه الذى ساهم أيضاً فى اضطراد وتيرة الحراك البصرى عبر ندف التناثر الخطى التى اقتربت بها حنان من سمت العهن المنفوش .

وعلى التوازى مع ذلك الإيقاع الحركى الكروى نجد حنان موسى تستثمر قدراتها فى الغزل الخطى لخلق جدائل متعاشقة متينة البنية تجول بها داخل الفراغ الأبيض الذى أمسى عجينة طيعة فى يدها لتشكيله بما ينسجم مع تلك التواليف الخطية الغليظة التى استثمرتها فى بناء مساحات أعلى السطح الورقى والنسجى أحياناً ، وأسفله فى أحيان أخرى ، وفى بعض الحالات نراها تجمع بين الغزلين ، تاركة الفراغ الأبيض يظهر كفضاء فسيح تسبح فيه بعض الحبال الخطية المنفصلة عن البناء العام ، وهو ماوسم الأعمال بالتضاد الإيقاعى بين الثبات والحركة .

بين السكون والطيران ، فى ذات الوقت الذى تآلفت فيه الحبال السميكة المجدولة مع الكرات السوداء الموشكة على الإنشطار الكامل وهى فى حالة من التحليق المستمر ؛ فبدت حنانموسى وكأنها تعزف بالحبال على إيقاعات الكتل داخل ذلك الفضاء المترامى برغبة فى الخلاص من الجاذبية الأرضية نحو القبة السماوية .

وفى مواضع حسية أخرى نجد المشهد يظهر وكأنه إيقاع حركى تحت الماء محتشد بالرغاوى والإندفاعات الموجية النسبية ، وأظن أن الفراغ الأبيض هنا قد لعبدوراً مغايراً كضوء متسلل بين النسيج المائى ، بينما بدت الحبال فى حالة من السباحة تحت سطح الماء عبر وضع مماثل من فقدان الجاذبية الأرضية ، بما جعل الفنانة تدفع بتواليفها الخطية الغليظة فى الإتجاه المضاد من أجل الحفاظ على الإنسجام والتوازن العام فى المشهد ..

وبين الفضاء السماوى والقاع المائى تكمن اللعبة الترددية عند حنان موسى بين الأرض والسماء ، مع تلك الحركة الأفقية للحبال المتعاشقة ، بما يؤدى بعينى المتلقى إلى حالة من الثبات المؤقت الذى سرعان م ايتلاشى أمام الحركة الحركة الوليدة من بطن الحبال والهواء والماء ، وهو مايجعل الفنانة أحياناً ما تتجاسر باللون الأحادى بين ثنايا الحبال مثل الأخضر داخل المشهد الخطى الرابض بين الأبيض والأسود ، فيبدو وكأنه نبات صاعد من التربة الأرضية نحو جوف السماء ، أو مسحات من الطحالب الراكدة تحت الماء ، عبر حركة دوامية لعينى المتلقى فى كل أرجاء التكوين الذى يبدو هوائياً أو مائياً تبعاً لمقتضيات اللحظات التعبيرية وزمن التلقى نفسه .

وفى هذا السياق يتجه الرائى نحو اختراق المشهد من الفراغ الورقى القطنى أو النسجى نحو العمق ، قبل أن يرتد ثانية صوب المقدمة فى حركة بندوليةمن الأمام إلى الخلف والعكس ، مع عقد حنان للتقابل بين أسفل وأعلى التكوين بتباديل وتوافيق من الحبال ، بالتزامن مع الطيران المتوالى للكرات الداكنة السوداء فى رحم المشهد الهوائى أو المائى الذى يظهر وكأن الفنانة تعزف بالخطوط الغليظة على إيقاعات الكتل الشارعة فى الإنفجار عند النقطة الحدية على المنحنى البيانى للطاقة الكامنة بين الخطوط والكتل التى بدت أحياناً فى طريقها إلى التلاشى بين ثنايا الأبيضاللانهائى البادى وكأنه نفحات بهية من المطلقتكاد تبتلع المادى المحسوس.


وعند هذا المنعطف فى غزل تكوينات الفنانةتبدو تجليات المواجهة بين النور والعتمة على المسطح الورقى القطنى والنسجى كحالة من الإشعاع الروحى المغلف للحسين الهوائى والمائى ، مع الحركة الثعبانية للحبال والإنشطارات الحدية للكرات ، حيث ظهر المشهد وكأن الفنانة حنان موسى تعزف بالحبال على إيقاعات الكتل عند أعلى نقطة بيانيةللطاقتين البصرية والروحية ، لتبقى فى ديمومة شكلية وضمنية عبر صلة وطيدة بين المرئى والمستتر كعازفة للخطوط على إيقاعات الكتل .



إشترك في نشرتنا الإخبارية
اشترك معنا للتوصل بآخر الأخبار، المقالات والتحديثات، ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني
يمكنك سحب اشتراكك متى شئت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.