بيعة العقبة وبيعة المقاومة في غزة: دروس التاريخ وصمود الحاضر
كتب :عدنان البدوي

التاريخ الإسلامي والعربي مليء بالمحطات التي تجسد معاني الوفاء والالتزام بالقضية العادلة، ومن بين هذه المحطات تأتي بيعة العقبة التي شكلت نقطة تحول في مسار الدعوة الإسلامية، وبيعة المقاومة في غزة التي تعبر عن استمرار النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي. رغم الفارق الزمني الكبير بينهما، فإن الروح التي دفعتهما واحدة، وهي الإصرار على الحرية، والاستعداد للتضحية، والتكاتف من أجل تحقيق الهدف المنشود.
حدثت بيعة العقبة في مرحلتين، الأولى عام 621م والثانية عام 622م، عندما بايع نفر من أهل يثرب النبي محمد ﷺ على الإسلام، وتعهدوا بنصرته والدفاع عنه. كانت هذه البيعة بمثابة عقد سياسي وديني، حيث وافق الأنصار على حماية النبي وأتباعه مقابل ترسيخ قيم الإسلام في مجتمعهم. لم تكن مجرد اتفاقية عابرة، بل كانت خطوة استراتيجية أرست قواعد دولة الإسلام الأولى.
في عصرنا الحالي، وعلى الرغم من التغيرات السياسية والعسكرية، نجد أن المقاومة الفلسطينية في غزة تعيش روحًا مشابهة لبيعة العقبة، حيث يلتف الفلسطينيون حول خيار المقاومة باعتباره السبيل الوحيد لاستعادة الحقوق المسلوبة. وكما بايع الأنصار النبي ﷺ على الدفاع عنه، فإن شباب وأبناء غزة اليوم يبايعون المقاومة على الثبات في وجه الاحتلال، والتصدي للعدوان رغم الحصار والمعاناة.
الالتزام بالعهد هو أحد أوجه التشابه بين البيعتين، فكما التزم الأنصار ببيعتهم للنبي ﷺ، فإن أبناء غزة يلتزمون بعهود المقاومة، مستمدين من تاريخهم إرادة الصمود. كما أن المقاومة في وجه الظلم تمثل قاسمًا مشتركًا، حيث كانت بيعة العقبة تحديًا لقريش ورفضًا لاضطهاد المسلمين، تمامًا كما تمثل بيعة المقاومة رفضًا للاحتلال الإسرائيلي وممارساته القمعية. التضحية والفداء كانا أيضًا سمة مشتركة، فقد دفع الأنصار ثمن بيعتهم بالغالي والنفيس في معارك الإسلام الأولى، وكذا يدفع الفلسطينيون اليوم ثمن التزامهم بالمقاومة من دمائهم وأرواحهم. كذلك فإن التكاتف من أجل قضية عادلة يظهر جليًا في الحالتين، فلم يكن الأنصار مجرد داعمين للنبي ﷺ، بل كانوا شركاء في المشروع الإسلامي، تمامًا كما تحتضن غزة مشروع المقاومة بكل مكوناتها الشعبية والعسكرية.
إذا كانت بيعة العقبة قد شكلت الأساس لنشأة دولة الإسلام، فإن بيعة المقاومة في غزة اليوم تمثل حجر الأساس لتحرير فلسطين. في الحالتين، الإرادة هي التي صنعت الفارق، فكما انتصر النبي ﷺ وأصحابه بإيمانهم وثباتهم، فإن الفلسطينيين ماضون في طريقهم لتحقيق الحرية، مستلهمين دروس الماضي في معركتهم من أجل المستقبل.