The Buzz Magazine
The Buzz Magazine

المستسار احمد الباز يكتب الحرب الروسية الاوكرانية و بداية فصل اسود جديد في تاريخ العالم

احمد الباز

بقلم المستشار احمد الباز

لا يساورني شك في ان الحرب الروسية الاوكرانية التي تدور رحاها الآن علي هذا المستوي من الضراوة والعنف ، سوف تكون بداية لفصل اسود جديد في تاريخ العالم ، فهي حرب انطلقت من حسابات خاطئة وتقديرات غير واقعية، ومن رؤية سياسية ضيقة وغير مقدرة لما يمكن ان تفضي اليه هذه الحرب الاوروبية من نتائج وتداعيات امنية مدمرة لا اول لها ولا آخر، والتي بدانا نعيش مع بعضها الآن…وهي حرب لم يكن لها في رايي ما يبرر الاندفاع اليها بالشكل الذي رايناه ، لا في اهدافها المعلنة ولا في توقيتها غير الملائم ولا في مكانها بحساسياته الامنية المتناهية ولا في الطريقة العنيفة والمتهورة التي اديرت بها وما تزال تدار دون الابقاء علي خط رجعة مفتوح امام من يمسكون بمفاتيحها… جاءت حرب بوتين في اوكرانيا لتضيف الي قائمة الازمات العنيفة والصراعات الاقليمية المسلحة التي تسحق العديد من دول الشرق الاوسط واستحال التوافق علي تسويات سلمية لها بعد اكثر من عشر سنوات علي اندلاعها ، ازمة اخري جديدة ربما اشد خطرا واوسع مدي واكثر تهديدا للسلم والامن الدوليين من كل ما سبقها من حروب وصراعات وازمات اقليمية ودولية منذ انتهاء الحرب الباردة في مطلع التسعينات من القرن الماضي……

والآن دعونا نشير الي بعض ما تنذر به المجريات المحتملة لحرب روسيا علي اوكرانيا منن نتائج وتداعيات :


ان هذه الحرب اشعلت حربا باردة جديدة ، وخلقت مناخا دوليا بالغ التازم والخطر ، وزادت من احتمال نشوب حرب نووية شاملة بين روسيا ودول الناتو ، وهي الحرب التي كان قد تلاشي الحديث عنها وتبدد الخوف منها بانتهاء الحرب الباردة وظهور النظام العالمي الجديد ، وبفعل بروز قضايا عالمية اخري مختلفة تماما في طبيعنها تصدرت اجندة الاهتمامات الدولية وهي قضايا لا علاقة لها بالحرب النووية ولا بسباقات التسلح النووي خلافا لما كان عليه الحال خلال الحرب الباردة القديمة بين الكتلتين الغربية والسوفيتية…اما الآن فسوف يتمدد حلف الناتو ويتوسع وتتدعم قدراته النووية بصورة اكبر واخطر ، وهو ما سوف يدفع روسيا الي الدخول معه في سباق نووي مفتوح كان العالم قد نسيه واغلق ملفه ، وها هو يعود اليه من جديد بسبب هذه الحرب….


ان هذه الحرب تسببت في حدوث ازمات عنيفة علي مستوي العالم في مجالات الطاقة والنقل الجوي وفي حركة اسواق المال والاعمال التي كسدت وانكمشت وتراجعت مع قلة المتاح للعالم من السلع الغذائية الاساسية والمحاصيل الزراعية الاستراتيجية كالقمح وغيره ، وما ترتب علي كل تلك الازمات الاقتصادية والمالية الحادة من تضخم سريع ومنفلت ومن ارتفاع كبير في مؤشرات الاسعار وهو الارتفاع الذي بات يضرب بعنف في كل مكان في الوقت الذي تعجز فيه الحكومات عن كبح جماحه ، وبصورة بدا العالم يحس معها وكانه يعيش اجواء حرب عالمية حقيقية باعبائها الضاغطة وازماتها الخانقة وظروفها الاقتصادية والحياتية الصعبة، كل ذلك وهو ما يزال بعد في بداية هذه الحرب الاوروبية المحدودة حتي الآن.. .. .
ان هذه الحرب خلقت بؤرة جديدة وخطيرة للارهاب الدولي ، خاصة مع تاهب العديد من. الجماعات الارهابية المتطرفة التي نعرفها او تلك التي لم نسمع بها للدخول الي اوكرانيا بذريعة القتال الي جانب الاوكرانيين ضد الروس لاخراجهم من اراضيهم ، لكن سرعان ما سوف ينتقل المركز الرئيسي للخطر الذي يشكله الارهاب الدولي علي العالم من الشرق الاوسط الي اوروبا.

ولعله لم يعد سرا ان الآلاف من مقاتلي هذه الجماعات الارهابية ومن المرتزقة الاجانب في طريقهم الآن الي اوكرانيا حسب ما اعلنته اوساط الحكومة الاوكرانية نفسها وهي من تستحث المتطوعين والمقاتلين من كل دول العالم للقدوم اليها…والتقارير القادمة الينا من هناك تشي بالكثير..

وان هذه الحرب ارغمت العديد من دول العالم النامية والفقيرة تحت ضغط التهديد الغربي لها علي المشاركة في توقيع العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية الدولية المفروضة علي روسيا، رغم عدم وجود مصلحة لها فيها ، بل وتعرف هذه الدول المغلوبة علي امرها جيدا انها سوف تتضرر من هذه المشاركة وستدفع ثمنا كبيرا لها، ولكنها تفعل ذلك مرغمة ودون اقتناع منها ، ولو ان الامر كان بيدها لامتنعت عن المشاركة في تلك التدابير والاجراءات التي تزيد علي مدار الساعة ولم يعد لها سقف اعلي تتوقف عنده.. وان هذه الحرب ستؤدي حتما وبسرعة الي ازدهار التجارة الدولية للسلاح في كل انحاء العالم ولا سيما في مناطق الحروب والازمات والصراعات المسلحة وما اكثرها حاليا ، وازدهار تجارة الاسلحة في العالم يرفع من احتمال صعوبة ضبطها ومراقبتها وتقييدها والسيطرة عليها، ولا يخفي ان تسيب تجارة السلاح واتساع مداها سوف يتيح للجماعات الارهابية ولغيرها من الدول والمجموعات الاطراف في هذا العدد الكبير من الصراعات الاقليمية المسلحة الحصول بسهولة علي ما تحتاجه من سلاح متطور من مختلف المصادر والاسواق بعيدا عن رقابة الدول والحكومات وفي هذا ما فيه من تهديد للسلم والامن الدوليين….


أنه اذا كان من حق كل دولة ان تخترع لنفسها ما تشاء من ذرائع امنية وهمية او مبالغ فيها لتبرير عدوانها علي غيرها واحتلال اراضيه واكراهه تحت ضغط القوة المسلحة علي التخلي عن سلاحه والتنازل عنَ حقه في الدفاع عن نفسه كما تفعل روسيا في اوكرانيا الآن، فان ذلك يعني تشجيع دول اخري ان تحذو حذوها وعندئذ لن يكون من حق المجتمع الدولي تحميلها بالمسئولية عن عدوانها او ادانتها او شجبها او لومها او معاقبتها علي افعالها العدوانية ، وهنا بالذات يجب الا يغيب عن بالنا حروب اسرائيل العدوانية الوحشية علي غزة متعللة بالذرائع الامنية الكاذبة نفسها، فضلا عن اعتداءاتها العسكرية المتكررة علي سوريا واحتلالها لهضبة الجولان ورفضها التخلي عنها متذرعة باحتياجاتها الامنية الحيوية ، وكذلك ما تفعله تركيا من غزو َواحتلال اراضي في سوريا والعراق بذريعة محاربة الاكراد وحاجتها الي اقامة مناطق فاصلة بينها وبينهم لاحتواء خطرهم علي امنها.

ان اوروبا لن تعود مستقرة وآمنة ومنفتحة علي بعضها بكل صور التعاون المشترك والاعتماد المتبادل كما كانت من قبل ، وسوف تعاني من الآن فصاعدا من ازمات عدم الثقة والتوتر ومن تصاعدالمشاعر العدائية المتبادلة في علاقات دولها ببعضها، وما قد يفضي اليه هذا الصراع الجديد من انقسامات حادة في المواقف والسياسات الاوروبية حول قضايا الامن والتسلح َوعلاقات التحالف والتعاون الاوروبي المشترك ، وهنا يجب الا ننسي ان الحربين العالميتين الماضيتين انطلقتا من داخل اوروبا وليس من خارجها…فاوروبا كانت وسوف تبقي هي قلب الامن والسلم والاستقرار في العالم.. ومن هنا تاتي خطورة حرب روسيا في اوكرانيا كدولة اوروبية.. ولو ان هذه الحرب كانت في مكان آخر بعيد عن اَوروبا لاختلف الامر…..
وفي النهاية ، لا اعتقد ان هذه الحرب مع كل تلك التداعيات الدولية الرهيبة والمدوية التي احدثتها ، سوف تحقق لروسيا هدفا استراتيجيا مهما واحدا من اهدافها التي حددتها لحربها علي اوكرانيا ، وذلك من منطلق ما سوف تلقاه روسيا في حربها هناك من مقاومة شرسة ومكلفة وذلك علي الرغم مما قد تبدو عليه قواتها واسلحتها التي تحارب بها في اوكرانيا من تفوق عسكري كاسح الآن، وكذلك بالنظر الي طبيعة المناخ الدولي المعادي والمعارض بشدة لمواقفها وشروطها ومطالبها والذي عليها ان تتحرك فيه وتتعامل معه ، وهو مناخ دولي صعب ومعقد للغاية ، ولن يكون ممكنا بالنسبة لها التغلب علي تبعاته الامنية والسياسية او تصفية رواسبه النفسية وتنقية اجوائه العامة لفترة طويلة قادمة.. وهو ما يعني ان الضريبة الروسية المدفوعة في هذه الحرب الاوكرانية سوف تكون باهظة للغاية بالقياس الي مردردها المتواضع والمحدود.، هذا ان كان لها مردود علي الاطلاق…


هذا قليل من كثير، والصورة تبدو لي قاتمة وكئيبة ومقلقة الي ابعد حد ، وبرغم هذا كله فما يزال الرئيس بوتين مصمما علي شرَوطه ، متصلبا في مواقفه ، مندفعا في مساره الحالي لا يريد ان يتحول عنه الي مسار آخر اكثر مرونة وواقعية منه ، متجاهلا عن عمد او عن جهل فظاعة الاخطار التي يمكن ان يؤدي اليها هذا الحريق الدولي الكبير الذي اشعله والذي لا يريد ان يخمده…..

إشترك في نشرتنا الإخبارية
اشترك معنا للتوصل بآخر الأخبار، المقالات والتحديثات، ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني
يمكنك سحب اشتراكك متى شئت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.