المستورة

  • بتاريخ : 7 ديسمبر، 2025 - 7:32 مساءً
  • الزيارات : 58
  • بقلم الإعلامية دينا ياسين

    هناك امرأة لا تُرى إلا بنورها، ولا تُسمع إلا بصمتها، ولا تُعرف إلا حين تمر.
    تمشي في الحياة بخفة من يعرف الطريق، وبثبات من جرب السقوط… ولم يخبر أحدًا به.
    هذه المرأة يسمونها: المستورة.

    ليست مستورة لأن حياتها سهلة، بل لأنها عرفت الوجه القاسي من الدنيا… ثم قررت ألا تمنح أحدًا مفاتيح حزنها.
    تتلقى ما يتلقاه الجميع من خذلان وخوف وتعب، لكنها تُعيد ترتيب وجعها داخل روحها كأنها تحفظ كتابًا سريًا لا يقرأه إلا الله.

    المستورة امرأة لا تعيش في الظل، لكنها تعيش بحكمة الظل؛
    تُضيء حين تشاء، وتختفي حين يلزم، وتُمسك قلبها بيدين ثابتتين كي لا ينكسر أمام من لا يستحق.

    تضحك… لا لأن حياتها كاملة، بل لأن قلبها تعلّم ألا يعلّق روحه بغير الله.
    وتسكت… لا لأنها ضعيفة، بل لأنها أدركت أن الوجع الذي لا يُقال أخفّ من الوجع الذي يُقال ولا يُقدَّر.
    وتسامح… لا لأنها بلا جرح، بل لأنها لا تريد أن تُشبه من جرحوها.

    المستورة تعرف أن الستر ليس إخفاءً، بل جمالًا خفيًا .
    جمال امرأة لا تتباهى بشقائها، ولا تبتز الدنيا بأحزانها، ولا تبحث عن تعاطف.
    تكمل الطريق وكأن في قلبها سر لا ينتهي… سرّ منحه الله لها وحدها.

    هي امرأة عاشت ما يكفي لتعرف أن كل خسارة تُبدل شكل الروح،
    وأن كل باب يُغلق قد يكون نجاة،
    وأن كل تأخير يحمل حكمة لا تُفهم إلا بعد أن تهدأ العاصفة.

    تُخفي الدموع التي يراها الله، وتُظهر القوة التي تراها الناس.
    تحمل في داخلها عالمًا كاملًا من القصص المؤجلة، والانتصارات الصامتة، والخذلان الذي كان يمكن أن يدمرها… لكنها نجت منه.
    تتحرك بوقار امرأة تعرف أنها لم تُترك وحدها لحظة واحدة.

    المستورة لا ترتفع فوق الناس… لكنها ترتفع فوق أوجاعها.
    لا ترد الإساءة… بل تتركها تموت في صمتها.
    لا تبحث عن نصف يُكملها… لأنها اكتشفت أن اكتمالها يبدأ من الداخل.

    وكلما ازداد ستر الله عليها… ازداد جمالها.
    جمال لا يُلمس، ولا يفسر ، ولا يُشبه جمال أحد .
    جمال امرأة كتبت قوتها من وجع، وكتبت عفتها من تجربة، وكتبت صمتها من حكمة، وكتبت نفسها من جديد.

    المستورة ليست قصة تُروى…
    هي امرأة تعلمنا أن الستر حياة أخرى،
    وأن الجبر قد يأتي في لحظة لا يعلم بها إلا القلب،
    وأن الله حين يحب امرأة… يجعلها تمشي بين الناس بنورٍ لا يخفت، وهي لا تدري.

    حتى لو لم يعرفها العالم…
    فالسماء تحفظ اسمها جيدًا.