The Buzz Magazine
The Buzz Magazine

وجها يبدد غربة الحياه :

وجها يبدد غربة الحياه :

رضا طاهر الفقي


تميزت حضارة الإغريق بالرمزيه
وأن لكل شئ معنى وهدف، إنها حضارة قامت على أعناق الفلاسفة قبل الفرسان وآلهة الحرب، كانت حضارة المثال والنموذج، وكذلك الجمال فإنه يحمل دلالة، وليس مجرد صفه ترتبط بالمظهر ، والجمال هو منحة الآلهة وأن الشكل الخارجي المثالي انعكاس لكمال داخلي، والجسم الجميل قرين عقل جميل.
إن وجهها يعيش الآن معنا، إلا أنه عابر من زمن تلك الحضارة، يحمل ابتسامة تاريخية فيها كل فاعليات التاريخ، تلمح فيه نشوة انتصار البطالمة، وأحيانًا انكسار كليوباترا، وقسمات وجه الإسكندر الجامعة بين تاريخين وحضارتين، كما ألمح فيه ديوجين الذي يحمل مصباحًا مضاءً في وسط النهارباحثًا به عن الحقيقة، ويرد على سؤال المتعجبين من فعله قائلًا: ابحث عن إنسان وسط ركام الإنسان. إن ديوجين يبحث عن الإنسان المعنى لا اللفظ، الذي بات عملة نادرة في ذلك الزمان، الإنسان الذي يعمر ويحب، وليس ذلك الذي يهدم ويدمر ويكره، هل ديوجين يبحث مع وجهها ذلك المثال لكل معالم الإنسان الحقيقي الذي يبحث عنه؟ أن تطهر به الأرض من كل من يروعها من أحقاد وينتصر به على القوة التي تعرت عنها الأخلاق، التي تتحدى وتعبث بكل ما هو رائع وجميل من أحلام القلب المعذب، وأن تسود القيم النبيلة، وأن يسود سلطان العقل على سلطان الفوضى، ويقضي على مملكة الثعابين السامة التي ملأت الأرض دماءً وأشلاءً أم حظه وحظ ذلك الوجه المملوء رقة ورقي أن يكون مثل “تناسوس” الإغريقي الذي حكمت عليه الآلهة أن يقف في بحيرة ماء عذب تحت أشعة الشمس، وكلما اشتد عطشه ارتفع الماء حتي ساقه، فإذا انحنى يشرب هبط الماء حتى ساقه ثم يرتفع إلى شفتيه، وهكذا ظل “تناسوس” عطشان إلى الأبد، والماء تحت شفتيه، وهذا أصبح قدر الحالمين، إلا أن ديوجين جعل وجهها شعلة مضاءة في وسط النهار.


أما أنا فدافعي لرؤيتها مغايرًا تمامًا، ليس نزوع رجل إلى أنثى إنما تلمسًا لدفأ غامض وبث هادئ غمرني منذ اللحظات الأولى، فأيقنت من دخولي بحر الهدوء والوفاء.. عيناها تذيعان الطمأنينة والدعة، تأتي بالسكنية المفتقدة والسلوى المنشودة كأنها خلقت لتبث الهدوء والراحة في قلوب من ضنى عليهم الزمن بالأمن والأمان، تؤدي حياتها بتلقائية لا تفتعل العناية، نطقها وثير مدثر بابتسامة رقيقة هي جزء من تكوين ملامحها، ماذا يحتاج المرء من مثل هذا الكيان الرائع إلا طلة روحية، عيناها مملوءتان برقي ونقاء تعبيرها.. هل أصف ما بداخلي أم استوحي منها ما يقويني علي مشاق الطريق.


وجهها ما زال يحمل طزاجة الطفولة البريئة، عليه هالة من جمال أخاذ، في ذاكرته مقتنيات زاخزة بعفوية طفولية بريئة وشوق يصطحبه نزاع بين حاضر مؤلم وماضي كان سعيدًا، دائمًا يعود بالذاكرة للماضي هربًا من واقع مجهول يتصارع مع الحياة، تعود تلمس ملامح والدها التي تعتز أنها صورة منه، ويرتد شوقًا للطفولة التي كان فيها الاب أمنًا وأمانًا، يشتهي وجهها الصدق على وجوه الآخرين بعد أن أصبحت الأحاسيس ترسم عليها باهتة بلا معنى، ويشتهي نقاش الأصدقاء لمعاني الحياة لأنه يؤلمها.
تحول الحياة من قيمة إلى صفقة، تختلق في نفسها متاهات حية تهاجم أي عراقيل عبر السنين، هذا الوجه وضع الأب صورة تهواها لكي تكون حافزًا على الخط المستقيم، ولقد وصلت لمبتغاها في الخط المستقيم، رغم تعرج الطريق ومشاقها.


أحس بسيل جارف من راحة عجيبة لم أحس بمثلها منذ مات والدي، ربما لم أحس بمثلها طول حياتي، كيف أصفها.. آه آه كأنني كنت أجري منذ زمن بعيد وارتميت الآن أتنفس راحة الوصول عندك.. آه وكأنني كنت مغتربًا في الحياة تائهًا أبحث عن مكان مفقود لا اعرفه، مكان ضاع مني في زمن لم أعشه.


شكرًا لكٍ لأنكِ اغتلتي غربتي.

إشترك في نشرتنا الإخبارية
اشترك معنا للتوصل بآخر الأخبار، المقالات والتحديثات، ترسل مباشرة لبريدك الإلكتروني
يمكنك سحب اشتراكك متى شئت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.